فصل: الخبر عن مبتدأ دول زناتة في الإسلام ومصير الملك إليهم بالمغرب وأفريقية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن مبتدأ دول زناتة في الإسلام ومصير الملك إليهم بالمغرب وأفريقية:

لما فرغ شأن الردة من أفريقية والمغرب وأذعن البربر لحكم الإسلام وملكت العرب واستقل بالخلافة ورياسة العرب بنو أمية اقتعدوا كرسي الملك بدمشق واستولوا على سائر الأمم والأقطار وأثخنوا في القاصية من لدن الهند والصين في المشرق وفرغانة في الشمال والحبشة في الجنوب والبربر في المغرب وبلاد الجلالقة والإفرنجة في الأندلس وضرب الإسلام بجرانه وألقت دولة العرب بكلكلها على الأمم ثم جدع بنو أمية أنوف بني هاشم مقاسميهم في نسب عبد مناف والمدعين استحقاق الأمر بالوصية وتكرر خروجهم عليهم فأثخنوا فيهم بالقتل والأسر حتى توغرت الصدور واستحكمت الأوتار وتعددت فرق الشيعة باختلافهم في مساق الخلافة من علي إلى من بعده من بني هاشم فقوم ساقوها إلى آل العباس وقوم إلى آل الحسن وآخرون إلى آل الحسين فدعت شيعة آل العباس بخراسان وقام بها اليمنية فكانت الدولة العظيمة الحائزة للخلافة ونزلوا بغداد واستباحوا الأمويين قتلا وسبيا وخلص من جاليتهم إلى الأندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام فجدد بها دعوة الأمويين واقتطع ما وراء البحر عن ملك الهاشميين فلم تخفق لهم به راية ثم نفس آل أبي طالب على آل العباس ما أكرمهم الله به من الخلافة والملك فخرج المهدي محمد بن عبد الله المدعو بالنفس الزكية في بنى أبي طالب على أبي جعفر المنصور وكان من أمرهم ما هو مذكور واستلحمتهم جيوش بنى العباس في وقائع عديدة وفر إدريس بن عبد الله أخو المهدي من بعض وقائعهم إلى المغرب الأقصى فأجاره البرابرة من أوربة ومقيلة وصدينة وقاموا بدعوته ودعوة بنيه من بعده ونالوا به الملك وغلبوا على المغرب الأقصى والأوسط وبثوا دعوة إدريس وبنيه من أهله بعده في أهله من زناتة مثل بني يفرن ومغراوة وقطعوه من ممالك بنى العباس واستمرت دولتهم إلى حين انقراضها على يد العبيديين.
ولم يزل الطالبيون أثناء ذلك بالمشرق ينزعون إلى الخلافة ويبثون دعاتهم بالقاصية إلى أن دعا أبو عبد الله المحتسب بأفريقية إلى المهدي ولد إسماعيل الإمام بن جعفر الصادق فقام برابرة كتامة ومن إليهم من صنهاجة وملكوا أفريقية من يد الأغالبة ورجع العرب إلى مركز ملكهم بالمشرق ولم يبق لهم في نواحي المغرب دولة ووضع العرب ما كان على كاهلهم من أمر المغرب ووطأة فضر بعد أن رسخت الملة فيهم وخالطت بشاشة الإيمان قلوبهم واستيقنوا بوعد الصادق أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده فلم تنسلخ الملة بانسلاخ الدولة ولا تقوضت مباني الدين بتقويض معالم الملك وعدا من الله لن يخلفه في تمام أمره وإظهار دينه على الدين كله فتناغى حينئذ البربر في طلب الملك والقيام بدعوة الأعياص من بنى عبد مناف يسدون منها حسدا في ارتقاء إلى أن ظفروا من ذلك بحظ مثل كتامة بأفريقية ومكناسة بالمغرب ونافسهم في ذلك زناتة وكانوا من أكثرهم جمعا وأشدهم قوة فشمروا له حتى ضربوا معهم بسهم فكان لبنى يفرن بالمغرب وأفريقية على يد صاحب الحمار ثم على يد يعلى بن محمد وبنيه ملك ضخم ثم كان لمغراوة على يد بنى خزر دولة أخرى تنازعوها مع بني يفرن وصنهاجة ثم انقرضت تلك الأجيال وتجرد الملك بالمغرب بعدهم في جيل آخر منهم فكان لبنى مرين بالمغرب الأقصى ملك ولبي عبد الواد بالمغرب الأوسط ملك آخر تقاسم فيه بنو توجين والفل من مغراوة حسبما نذكر ونستوفي شرحه ونجلب أيامهم وبطونهم على الطريقة التي سلكناها في أخبار البربر والله المعين سبحانه لا رب سواه ولا معبود إلا إياه.

.الطبقة الأولى من زناتة ونبدأ منها بالخبر عن بني يفرن وأنسابهم وشعوبهم وما كان لهم من الدول بأفريقية والمغرب.

وبنو يفرن هؤلاء من شعوب زناتة وأوسع بطونهم وهم عند نسابة زناتة بنو يفرن بن يصلتين بن مسرا بن زاكيا بن ورسيك بن الديرت بني جانا أخوته مغراوة وبنو يرنيان وبنو واسين والكل بنو يصلتين ويفرن في لغة البربر هو القار وبعض نسابتهم يقولون: إن يفرن هو ابن ورتنيذ بن جانا وأخوته مغراوة وغمرت ووجديحن وبعضهم يقول يفرن بن مرة بن ورسيك بن جانا وبعضهم يقول هو ابن جانا لصلبه والصحيح ما نقلناه عن أبي محمد بن حزم.
وأما شعوبهم فكثير ومن أشهرهم بنو واركوا ومر نجيصة وكان بنو يفرن هؤلاء لعهد الفتح أكبر قبائل زناتة وأشدها شوكة وكان منهم بأفريقية وجبل أوراس والمغرب الأوسط بطون وشعوب فلما كان الفتح غشى أفريقية ومن بها من البربر جنود الله المسلمون من العرب فتطامنوا لبأسهم حتى ضرب الدين بجرانه وحسن إسلامهم ولما فشا دين الخارجية في العرب وغلبهم الخلفاء بالمشرق واستلحموهم نزعوا إلى القاصية وصاروا يبثون بها دينهم في البربر فتلقته رؤساؤهم على اختلاف مذاهبه باختلاف رؤوس الخارجية في أحكامهم من أباضية وصفرية وغيرهما كما ذكرناه في بابه ففشا في البربر وضرب فيه يفرن هؤلاء بسهم وانتحلوه وقاتلوا عليه وكان أول من جمع لذلك منهم أبو قرة من أهل المغرب الأوسط ثم من بعده أبو يزيد صاحب الحمار وقومه بنو واركوا ومر نجيصة ثم كان لهم بالمغرب الأقصى من بعد الانسلاخ من الخارجية دولتان على يد يعلى بن محمد صالح وبنيه حسبما نذكر ذلك مفسرا إن شاء الله تعالى.